الرحلة السادسة : ابوهلال و السبع العجيب
بقلمي : ياسين555
استضافنا زهير بن الربيع ليلة شتاء قر، فكان منه كرم ما عرفناه قط ، لحم مشوي و لبن طري ، و حلويات لذيذة ، ثم لذ لنا السمر و السهر و جرى الحديث بين الالسن سلسا كالماء بين الجداول فكان كل واحد منا يجد في سرد الملح و الغرائب من الاخبار فما كان اعذب و لا اخف وقعا على الانفس من نوادر ابي هلال فحدث قال : كنت ذات يوم املك خمارة فياتيها زبائن كثر من كل الفجوج فكنت اجهد النفس في ارضائهم فاقدم لهم الذ و اشهى المدام ، و ذات مرة وقعت في شباك رجل وقعة ذهبت بعقلي و كلما حاولت نسيانها اجدها كالذنوب مرارة . فقلنا: شوقتنا اليها يا ابو هلال هيَا لا تذهب الشوق بالتوقًََع . قال : جاءني رجل و عليه وقار كثير ، وجه صبوح ، و عطر يفوح ، و كلام وضوح ، دنوت منه بادب لم أتعود عليه فلكل زائر بضاعة استقبال خاصة به و قلت بتملق زائد : خير العرب حلً بنا الليلة ، و الشموع خجلت امام نور البدر في اكتماله ، لو كنا علمنا القدوم لفرشنا الارض ريحانا و انرنا كل المدينة شموع الفرح و دققنا الطبول و غنت الجواري الملاح ، حللت اهلا و نزلت سهلا . اغواني الطمع و اغراني الجشع فامرت فتيتي بتقديم ما لذَ من الشواء و المدام و المرق . دعاني للجلوس معه فسمعت منه حديثا كلًه حكم و مواعظ و انا أثني على كلامه بالشكر و التقدير، و قبل ان ينصرف قال : يا ابوهلال سعدت هذه الليلة بك فما احسست اني غريب بينكم ، رأيت منك الوانا من الكرم و من فتيتك فهل لي في طلب منك ؟ قلت : طلبكم امر مستجاب قل حاجتك يا اخا العرب و انَا لفاعلون ، قال : ما خرجت بين هذه الربوع و القرى اتنقل من مكان الى آخر الا لضرورة ماسة فيها حياة ابني . قلت هلا افصحت يا أخي ؟ قال : ولدي البكر يشتكي مرضا عضالا وشفاؤه موقوف على احضار سبع لونه اصفر فاقع بين عينيه ريشة سوداء ويكون لون ذنبه يضرب الى الحمرة ، قلت : هذا صعب المنال يا اخا العرب ! قال: ماذا افعل بالمال الكثير ان ضاع مني قرة عيني ؟ ادفع كل ما املك لاجله ، و الله ما قرت عيني بنوم وما هنأت به منذ علته ، اني لأدفع الف دينارا في هذا السبع . ثم شدً على يديَ و سلم و اعطاني بعض دراهم و قال : لي عودة من هنا بعد يومين او ثلاث و ادعو الله لي ان يمنحني ضالتي ، فدعوت له و تألمت لحاله و ابنه . قلنا و ما كان بعد ذلك يا ابو هلال ؟ لطم على وجهه كالمستذكر وجعا و قال : و في ليلة الغد حلً بالخمارة نفر غريب من ثلاثة رجال كان يحملون معهم سبعا بما ذكر زائري الاول من الاوصاف فسررت كالرضيع بين نهدي امه و دنوت من الرهط مرحبا مهللا و انا انظر الى ما يحملون و الطمع في الربح يستفزني و يستهويني، فصرت بين الزبائن اركض كالساعي بين الصفا و المروة و عيني على السبع لا تغمض ابدا ثم اقتربت من ربه و قلت : أمازال عندك به وله ؟ أما حان ان تفتكً من نصب حمله ؟ هل اخلصك من عنائه ؟ قال : هو عزيز علي يا ابو هلال و لي في عشرته زمنا طويلا ، بيننا قصة الفة و عشرة . فادركت ان المطلب يحتاج الى دهاء و فطنة لاقناعه بالتخلص منه ، ففعلت كل ما في وسعي من اساليب البيع و الشراء حتى اقنعته ببيعه، فتم ذلك بتسعمئة دينارا فاحضرت جميع ما أملك و اقترضت الباقي من الاهل و الجيران و انا امنًي النفس بربح وفير ، حملت السبع الى الدار و انا اوصي به ام هلال خيرا فهو طالع الخير و البركة : اكرمي منزله الليلة و اعتني به اعتناء الام قَرَة العين ، غدا يأتي مبتاعه و تزيَن الدنانير أيدينا ، غدا يا ام هلال يكون لنا عيدا ، فبنينا من الاحلام قصورا وجنانا و من الاوهام حليا و ثيابا و من الطمع بساتين و أغناما . مرَ يوم و يومان، شهر و شهران ، سنة و سنتان و انا انتظر عودة ذلك الرجل ، ايقنت بعدها اني وقعت بشباك محتال ، فكنت كلما تذكرت كبوتي تلك الطم و جهي و اندب حظي و اصرخ و اصيح و أولول كالنساء عند ميتم . ما كاد ابوهلال يتم حديثه ذاك حتى صرنا كالشاة اثر الذبح انتفاضا و سال دمعنا في المآقي و كاد يغمى علينا من فرط ما ضحكنا ، و اذا بصوت الحق يرفع فسارعنا نحو المسجد فقمنا وراء الامام قياما لا خشوع فيه و لا سكينة من هول مصيبة ابي هلال ....