طيفُكِ لا يغيبُ عن مخيِّلتي ، ونِدَاؤكِ يَتَرَدَّدُ صَداهُ في أُذنيَّ ، كما لو كان أغنيةً حزينةً يَعْزِفُها نحّاتٌ على قيثارةٍ تبكي أَوتارُها بين مطرقته والإزميل .
فأَرحَلُ مَعَها في أجواءِ الفضـاء ، مع ضجيج النُجُومِ والنَيَازِكِ التي تَهْوي على رَأسِي كأنها حِجَارَةُ هَيْكَلٍ يَتَداعى فَوْقَ مَنْ فيه .
حينَ أطوي بين جُفُوني أنفاسَك الحَبيسَةِ ، أشعر بالأرضِ تَتَشَقَقُ ؛ والجبالُ تَمِيد ؛ فألمِسُ أَنينَها بيدٍ مرتَجِفةٍ ؛ فإذا بالعُيُونِ تَتَفَجَّرُ ، ويَفيضُ دَمعٌ يَنسَكِبُ على أَطرافِ البَسيطةِ فيجمَعُها ، ويَذُوبُ الزمانُ ، وتَرْحَلُ الطُيورُ ويَأبى الدّمُ أن يَجري في الوِديان .. يَتُوهُ العَقلُ .. ويَهيمُ الوِجْدانُ .. وتَضيعُ الكلمات ..
ولا يبقى سِوى اللّحنِ العجيبِ ، يُلَوِّنُ السُكُونَ ، بنَظَراتٍ تَلُوحُ في الأُفُقِ البَعيد..
أُرسِلُ يَدَيَّ في يُنْبوعِ الحياة ، أَسْرِقُ بها رَشْفَةً ؛ لا أرى بعدها إلا شُعَاعَ نُورٍ يَشُقُ ظُلمَةَ السَمَاء ؛ ولا أَسْمَعُ إلا رَنينَ هَمَسَاتِكِ ؛ ولا أشُمُ إلا رائِحَـةَ التُرابِ بَعْدَ لَيْلَةٍ مَطيرَةٍ ؛ ولا أَشْعُرُ إلا بحرارَةٍ تَمْلأُ صَدْري بدِفءِ ابتِسَامَتِكِ الحَانِيَةِ .
إنَّ قَلْبي يَتَمَزَقُ كالشِراعِ في عاصفَةٍ هَوْجَاء . . .
وا قُدْسَـاه . . . آهِ .. يا مَهبِطَ الأَنبياء . . . آهِ .. يا غَايَةَ الرَجَاء . . .
أَدَنَسَكِ أوُلَئِك الأَشقياء ؟؟!!
اِرفَعُوا أَيدِيكُم عَنْها أَيُها الأَغبيَاء . . .
لا تَحْرِمُوا عَيْنيَّ من كَلِمَاتِها. .لا تَقْتُلوا الصَوتَ الشَريدَ. .لا تَخْنُقوا الطِفْلَ البَائِسَ . .
لا تَدَعوا أَنفَاسي تُدْفَنُ بينَ أَضْلُعِي . . فَيَغيبُ السِحْرُ ، وتَخْتَفي الآلامُ ، وأَهيمُ في الصَحرَاءِ ، وأَحْسُبُ الأَيَّامَ . . . .