لحظة يأس
على شاطئ البحر لحظة غياب الشمس....جلست هناك لوحدها مع دموعها. تنهدت روحها
و تألم قلبها و هي تتذكر تلك الأيام الخوالي, أيام أحرف الحاء و الباء. أغلقت عيناها و سبحت في عالم اللاشعور....تخيلته و هو يمسك يداها عندما كانا يلتقيان و سرب الحمام يغرد من حولهما. تذكرت كلماته لها و هو يحدثها عن الحياة، عن الحاضر و المستقبل.
فبالأمس القريب كانت هنا رفقة حبيبها ....أحبته بكل صدق، أحبته حتى الموت، و هبته الحب و المشاعر الصادقة، أخلصت له و أسكنته تجاويف قلبها...بحتت في داخله عما يسعده و قدمته له، أفنت زهرة عمرها من أجله، صبرت على الألم لتهبه الراحة، حملت صولجان عشقه في كف يديها و جعلت أنفاسه تجري مع دمها...أعطته كل ما تملك، أعطته قلبها و حياتها، أحبت فيه كل شيء، أحبت لهفته إليها و أحبت غيرته عليها، أخذها إلى عالم الأساطير، أخذها إلى جنة الأحلام، رأت الطيور تغني و الورود ترقص و الشمس تضحك، أشعرها بأمان لم تشعر به من قبل، وعدها بأشياء و أشياء، قال لها أحبك فطارت و حلقت بأجنحة الخيال فرحا ظنا منها أن الفرحة دقت بابها و أن الحزن طار من شباكها و أن القدر ألقى السعادة على دارها. قال لها أحبك فأنت أجمل امرأة رأيتها في حياتي فوثقت به ثقة عمياء. تذكرت كلماته لها فاهتز قلبها بالحنين، و انهمرت دموعها كمطر زاخر في شتاء قارس.
منحته بلا حدود وفي غمرة سعادتها به انسحب من حياتها كلصوص الليل، تركها بعد ان أصبح كل شيء في حياتها، تركها و جعل عيونها تبكي بكل حرقة، رغم كل ما فعلته له، ابتعد عنها و رد لها قلبها جريح و روحها مدمرة، تركها كالمجنونة بلا عقل، جعل من حبه مجرد كلمات، جعل منها بقايا إنسان، حولها الى شبح بلا روح، فرحيله كان كأنه سكاكين تطعنها الآلاف الطعنات، تركها دون أمل في عودته، رحل عنها دون ان يودعها و لو من بعيد، قتل كل الأحاسيس الجميلة و تركها حطام مبعثر.
تمنت لو لم تصدقه في وصف مشاعره اتجاهها، بأنها شمسه التي لا تغيب و القمر الذي ينير له حياته، تمنت لو لم تصدقه في أنه يحبها وحدها و أن وجودهن لا يغنيه عنها و أنها وحدها من تشغل تفكيره. صدقت أكاذيبه و ها هي تدفع ثمن ذلك. فبعد حبهما الذي كان و الذي أصبح من معجزات هذا الزمان تلاشى كل شيء و انزوى بعيدا و اصبح كالسراب.
و في لحظة تفجرت فيها الجروح و اشتعلت فيها نيران القلب، أحست بكرهه بدا يسري في عروقها، فبقدر ما أحبته كرهته تلك اللحظة، و بقدر العذاب الذي عانته حقدت عليه تلك اللحظة، و بقدر الألم و الجروح تمنت لو لم تعرفه يوما. و بعد فترة استيقضت من وهمها أعادت حساباتها فاكتشفت الحقيقة : يا الهي لقد أخطأت، هي لا تكرهه، بل تعشقه لا زالت تهيم في حبه، لم تصدق ما يحدث لها فبعد كل ما فعله بها ما زالت تحبه. كيف .......؟ و لماذا........؟
تعبت و احتارت و هي تبحث عن سر عشقها له، كما يبحث المجنون عن سر جنونه و لا يهتدي إليه أبدا...... فما عادت تصدق هذه الحكاية و ما عادت تقدر على الكبت، لم يبقى للحياة طعم بعد رحيله لم يعد لها مكان في الدنيا، فرحيله أشبه بموت لها، فاختارت أيضا الرحيل، قررت أن ترحل إلى دنيا غير هذه الدنيا و أن تنتقل إلى عالم آخر لا تعرفه، فلا فرق بين وجودها على قيد الحياة ووفاتها و ابتعادها عن الحياة، رمت بنفسها في أعماق البحر و رمت معها كل أحلامها معه و كل أيامها معه، قدمت حياتها أضحية في مذبح عشقه، اختارت الموت كنهاية لقصة كانت فيها هي الضحية و كان فيها هو البطل. وفت بوعدها فقد أقسمت له انه سيكون أول و آخر حب في حياتها و سيكون هو بدايتها و آخرتها و أن الموت فقط من تستطيع أن تنسيها حبه.
فقد صدق من قال " و من الحب ما قتل"